الأحد, 2 نوفمبر 2025 08:54 PM

السعودية وسوريا: آفاق التعاون ومحاولات إعادة دمج دمشق في المحيط العربي

السعودية وسوريا: آفاق التعاون ومحاولات إعادة دمج دمشق في المحيط العربي

يرى الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أن السعودية تمثل "مفتاح سوريا نحو العالم"، وهو ما صرح به خلال مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض" في تشرين الأول الماضي. هذا التصريح يثير تساؤلات حول طبيعة العلاقة السورية السعودية في ظل التنافس الإقليمي بين تركيا وإسرائيل وأوروبا، ومحاولات عودة إيران.

يسعى هذا التقرير لتفكيك أبعاد العلاقات بين دمشق والرياض في ضوء الطموحات والإمكانيات والتحديات.

دور قيادي ولاعب أساسي

يوضح الباحث في مركز "جسور للدراسات"، محمد سليمان، أن مقصد الشرع من عبارة "عندما توجهنا للسعودية عرفنا أين المفتاح"، هو أن السعودية دولة رائدة سياسيًا ولديها علاقات قوية مع الدول الكبرى. ويرى أن العلاقات الجيدة مع السعودية تساهم في فتح قنوات اتصال مع الصين والولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة العربية، وأن العلاقة بين دمشق والرياض "إيجابية جدًا".

ويضيف سليمان أن اجتثاث إيران من سوريا يمثل مكسبًا كبيرًا للسعودية، ويساعد الرياض على حل مشكلة اليمن وإضعاف الحوثي المدعوم من إيران، الذي كان يستخدم "الحوثيين" كأداة ابتزاز عبر التحكم بمضيقي "باب المندب" و"هرمز".

ويتفق المحلل السوري علي تمّي مع هذا الطرح، معتبرًا أن المملكة "باتت مفتاح الحل في الشرق الأوسط" لما لها من دور عربي وإسلامي في قيادة المنطقة وحل قضاياها، إضافة إلى كونها منتجًا كبيرًا للنفط في العالم. ويرى تمّي أن من مصلحة السعودية أن تبقى سوريا "واحدة وموحدة"، ودعم بنيتها التحتية اقتصاديًا، وأن تكون مستقرة وآمنة.

ويرى المحلل السياسي السوري درويش خليفة أن التقارب السوري السعودي لا يمكن قراءته من زاوية "الوحدة السنيّة"، بل في إطار أوسع يتمثل في عودة سوريا إلى عمقها العربي واستعادة دورها في قضايا المنطقة.

وتستعد شركات سعودية كبرى لتنفيذ استثمارات بمليارات الدولارات في سوريا، وفقًا لما نقلته وكالة "رويترز"، وقد تتدفق الأموال السعودية قريبًا إلى قطاعات الطيران المدني والتعليم والطب، كما تجري الرياض محادثات مع دمشق لإنشاء خط سكة حديد عبر الأردن.

وفي أيار الماضي، وبطلب من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قرر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رفع العقوبات عن سوريا، وتوسطت السعودية لإجراء اللقاء الأول بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وبين ترامب، بحضور ابن سلمان. ورحب وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، برفع العقوبات، معتبرًا أن الدبلوماسية السعودية أثبتت أنها "صوت العقل والحكمة في محيطنا العربي".

سوريا خط دفاع سعودي

يرى الباحث السعودي هشام الغنام أن المصالح السعودية في سوريا تصل إلى أن تصبح سوريا خطًا أماميًا لحماية الأمن السعودي، وذلك بسبب زوال النفوذ الإيراني في سوريا ومنع عودته، واحتواء التوسع الإسرائيلي، وتحجيم النفوذ التركي المتنامي.

وتتوجّس المملكة من المخططات التركية والإسرائيلية والإيرانية في سوريا، وعلى الرغم من سعي كل من الرياض وأنقرة إلى مواجهة النفوذ الإيراني، ثمّة تنافس بينهما أيضًا، كذلك، تعد تركيا حليفًا لقطر، التي كان تاريخها مع السعودية حافلًا بالخلافات، لذا تنظر الرياض بعين الريبة إلى مساعي توسيع النفوذ التركي أينما كان.

واتبعت السعودية نهجًا متعدد المسارات لتشكيل معالم المشهد السياسي في سوريا، ويتضمن ذلك مزيجًا من المساعي الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية الرامية إلى دعم النظام الجديد في دمشق وإعادة دمجه في محيطه العربي، ومنع أي محاولة إيرانية لاستئناف التدخل في الشؤون السورية، واحتواء التوسع الإسرائيلي في الأراضي السورية.

وتبرز استراتيجيتان تتبعهما السعودية لتحقيق أهدافها في سوريا:

  • الأولى: تستند إلى التعاون مع تركيا، التي تمارس نفوذًا واسعًا في سوريا عبر شبكة وكلائها.
  • الثانية: تتمثل في استفادة الرياض من علاقاتها مع القبائل العربية في شمال شرقي سوريا المتعدد الأعراق.

ويرى المحلل علي تمّي أن المقصود في التوجه السعودي هو "تحجيم النفوذ الإيراني وليس التركي"، إذ يرى أنه كان هناك تنسيق محوري بين أنقرة والرياض لدعم عملية "ردع العدوان" التي أطاحت برئيس النظام السابق، بشار الأسد. وأضاف أن تركيا تدعم دمشق "عسكريًا وأمنيًا"، بينما الرياض تدعم اقتصاديًا وإداريًا، وهناك تبادل للأدوار لا صراع على النفوذ.

وأشار الكاتب والباحث السوري درويش خليفة إلى عدم تعارض العلاقة بين الرياض ودمشق، مع مصالح الحلفاء الآخرين في تركيا وقطر، لأن سوريا تشكّل عقدة وصل برية بين شمال المنطقة وجنوبها، ما يمنحها أهمية استراتيجية في أي توازنات إقليمية مقبلة.

وفي تشرين الأول الماضي، أعلن وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، انطلاق بعثة من طلاب الضباط السوريين للدراسة بالكليات العسكرية في كل من تركيا والسعودية، في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون الأكاديمي والعسكري بين الدول الثلاث.

محطات في العلاقة

تؤرخ ورقة بحثية لمركز "الخليج للأبحاث" العلاقات السورية السعودية قبل الثورة عام 2011، وما تخللها من منعطفات، في حين أن التحول الأبرز كان انفتاح المملكة على النظام السوري في 2023، بعد سنوات من القطيعة وعبر خطوات متدرجة.

قبل الثورة:

  • عملت السعودية على دعم حكم الرئيس السوري الأول شكري القوتلي وإعادته للحكم أكثر من مرة، بعد انقلاب حسني الزعيم عليه في آب من عام 1949.
  • دعمت انقلاب الرئيس السوري أديب الشيشكلي ضد الزعيم في كانون الأول من عام 1949.
  • ساءت علاقة المملكة مع سوريا خلال فترة الرئيس هاشم الأتاسي، خلال فترة حكمه بين عامي 1954 و1955، وما تلاها.
  • مع وصول حافظ الأسد للحكم في سوريا عام 1970، شهدت العلاقة تجاذبات بين اختلاف في قضايا والالتقاء في أخرى، مثلًا في الحرب العراقية الإيرانية بين عامي 1980 و1988، كان حافظ الأسد يدعم إيران بينما تدعم السعودية صدام حسين، لكن عندما احتل صدام حسين الكويت عام 1990، وقف حافظ الأسد إلى جانب السعودية.
  • نسق الطرفان بشأن اتفاق "الطائف" الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان عام 1989.
  • بعد وصول رئيس النظام المخلوع بشار الأسد إلى سدة الحكم في سوريا، شهدت العلاقات بين دمشق والرياض توترات عديدة، من أبرز معالمها: الغزو الأمريكي للعراق 2003، اغتيال رفيق الحريري 2005، حرب تموز في لبنان 2006.

بعد الثورة

  • مع بدء الثورة السورية عام 2011 وبعد قمع الأسد للمتظاهرين طالبت المملكة بإجراء إصلاحات سريعة.
  • في كانون الأول 2012، أعلن مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسه السعودية سحب سفرائه من دمشق وطرد السفراء السوريين.
  • في كانون الثاني 2012، بدأت السعودية بإرسال الأسلحة لـ"الجيش الحر" وفق مجلة "فورين أفيرز".
  • إلى جانب قطر، أصبحت المملكة العربية السعودية من أكبر مصادر سلاح "الجيش الحر" في أيار 2013، وفق وكالة "رويترز".
  • بعد التدخل العسكري لروسيا إلى جانب نظام الأسد في عام 2015، كثفت السعودية دعمها لـ"الجيش الحر" بأسلحة نوعية منها مضاد للدبابات وفق وكالة "رويترز".
  • بعد زلزال شباط 2023، شهد الخطاب السعودي تغيرًا تجاه النظام السوري.

السعودية أتاحت، في أيار 2023، عودة نظام بشار الأسد إلى الجامعة العربية، ليشارك في قمتين عربيتين، إحداهما في جدة والأخرى في المنامة، وبقمتين عربيتين إسلاميتين في الرياض، قبل إسقاط نظامه نهاية 2024.

مشاركة المقال: