الإثنين, 3 نوفمبر 2025 04:08 AM

بين الأفران والأرصفة: أزمة الجوع تدفع نساء وأطفال دمشق لبيع الخبز

بين الأفران والأرصفة: أزمة الجوع تدفع نساء وأطفال دمشق لبيع الخبز

في مشهد يعكس تفاقم الأزمة المعيشية، تنتشر ظاهرة بيع الخبز على الأرصفة في دمشق، حيث تجد نساء وأطفال أنفسهم مضطرين لامتهان هذه المهنة لتأمين قوت يومهم.

بالقرب من أفران ابن العميد في منطقة ركن الدين بدمشق، تتجمع نساء يعرضن أرغفة الخبز للبيع، يلوحن بها للمارة وسائقي السيارات. يبيعن الربطة الواحدة بستة آلاف ليرة سورية، ولا يحصلن منها إلا على ألفي ليرة بعد شرائها من الفرن. هذا البيع المتكرر طوال اليوم لا يدرّ على البائعة أكثر من عشرين ألف ليرة سورية، أي أقل من دولار واحد.

أم علي، نازحة من دير الزور إلى دمشق، تعمل في بيع الخبز منذ سنوات، وتقول إنها مصدر رزقها الوحيد: "عندما لا أبيع الخبز، لا أستطيع شراءه لأطفالي. لا يوجد عمل آخر يناسبنا كنساء، فبيع الخبز هو ما يبقينا على قيد الحياة".

لم يعد مشهد بيع الخبز غريبًا في العاصمة، بل أصبح مألوفًا. نساء وأطفال ورجال يقفون أمام الأفران أو على الأرصفة المزدحمة، بانتظار زبون يبحث عن طريق أسرع للحصول على الخبز.

خلف وشاح أسود، تقف ربيعة، شابة في العشرينات من عمرها، أمام مشفى المنار، تعرض الأرغفة على السيارات المارة. "كثير من الناس لا يستطيعون الوقوف في طوابير الفرن، فأبيعهم الخبز بسرعة، وهم يستفيدون وأنا أستفيد"، تقول بابتسامة خجولة.

للأطفال نصيب أيضًا، يركض ثلاثة أطفال في العاشرة من أعمارهم بين السيارات حاملين ربطات الخبز الصغيرة، لجذب الزبائن. لم يجد هؤلاء الصغار طريقًا إلى المدرسة، فاختاروا طريق العمل في الشارع. يقول الطفل صلاح: "أبيع الخبز لأساعد أمي بمصروف البيت، أبي مات من سنتين، وما عاد في غيري يساعدها".

ورغم شكوى الأهالي من الازدحام والفوضى أمام الأفران، واتهامهم الباعة بالتسبب بالتدافع والمشاكل، إلا أن الباعة يرون في عملهم حلًا اضطراريًا لا يمكن الاستغناء عنه، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة في سوريا، حيث تجاوزت 50% بحسب تقديرات الأمم المتحدة، وبلغت نسبة الفقر أكثر من 90% من السكان.

تغيب أي حلول فعلية من الجهات الحكومية للحد من هذه الظاهرة أو لتأمين فرص عمل بديلة للنساء والأطفال. فبينما تعتبر السلطات أن بيع الخبز في الشوارع مخالفة، لا تقدم في المقابل بدائل واقعية، تاركة الفئات الهشة تواجه قسوة الحياة بوسائلها البسيطة.

تعكس ظاهرة انتشار بيع الخبز تراجع شبكات الأمان الاجتماعي في سوريا، ليصبح العمل غير المنظَّم ملاذًا للنازحين والفقراء، خصوصًا النساء اللواتي فقدن أزواجهن أو معيل الأسرة، فهن اليوم يتحملن عبء الإعالة في ظروف لا إنسانية.

في نهاية اليوم، يعود الباعة إلى منازلهم وقد أنهكهم التعب، محمّلين ببضع أوراق نقدية بالكاد تكفي لشراء طعام اليوم التالي. وبينما تستمر الأفران في الازدحام، تبقى أرصفة دمشق شاهدة على مشهد يومي يعكس عمق الأزمة المعيشية التي دفعت الناس إلى الاتجار بلقمة عيشهم نفسها.

مشاركة المقال: