الأربعاء, 5 نوفمبر 2025 09:08 PM

تفكك الأسر في سوريا: الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تدق ناقوس الخطر وتزيد حالات الطلاق

تفكك الأسر في سوريا: الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تدق ناقوس الخطر وتزيد حالات الطلاق

راما نسريني - ألقت السنوات العشر الأخيرة بظلالها القاسية على المجتمع السوري، مخلفةً وراءها تغيرات عميقة في العلاقات الاجتماعية وأساليب التربية، بالإضافة إلى الدمار الذي طال كل شيء. تفاقمت هذه التغيرات لتشكل واقعاً جديداً يرزح تحت وطأة التفكك الأسري، ويتجلى ذلك بوضوح في ارتفاع معدلات الطلاق.

على الرغم من تعدد الأسباب المؤدية إلى الطلاق، غالباً ما يركز الأطراف المعنيون على المشاكل الشخصية، متجاهلين الأسباب الجذرية التي أدت إلى الانفصال. كما أن المجتمع، الذي يعاني من نقص في الوعي بمفاهيم التكوين الأسري السليم، يساهم في تفاقم المشكلة من خلال عوامل اقتصادية واجتماعية وتقاليد موروثة غالباً ما تكون قاسية.

صور من الواقع

تؤكد زينب صادق، البالغة من العمر 55 عاماً، لصحيفة الثورة: "تمنيت الطلاق منذ الأيام الأولى لزواجي، لكن ذلك لم يكن ممكناً في ظل المحيط الذي نشأت فيه". وتضيف أنها لم تختر شريك حياتها بنفسها، بل كان اختيار الأهل، الذين رأوا فيه شخصاً مناسباً. ولعدم وجود فرصة للرفض في مجتمعها، تزوجت وعاشت معه أكثر من عشرين عاماً، متمنيةً الطلاق يومياً، لكن ذلك كان مرفوضاً من قبل عائلتها، التي كانت تؤمن بمقولة "المرأة بيتها قبرها".

وتتابع: "بعد خروجي من سوريا مع عائلتي، تمكنت من الحصول على عمل يؤمن لي دخلاً ثابتاً، بالإضافة إلى الخروج من دائرة محيطي المتشددة الرافضة لفكرة الطلاق. هذا الأمر شجعني على اتخاذ قرار مؤجل منذ سنين، وعلى الرغم من الانتقادات الكبيرة التي تعرضت لها، إلا أنني اتخذت قراري بالانفصال، ولست نادمة عليه أبداً".

وتشير إلى أن سلب حرية الاختيار من المرأة يجعلها غير قادرة على العطاء، وغير قادرة على خلق جو أسري سليم، ينشأ من خلاله جيل سويّ نفسياً، قادر على بناء المجتمع وتطويره.

من جهته، أوضح نزار عبد الجواد في حديثه لـ "الثورة"، أنه في السنوات الأخيرة ونتيجة للأزمة الاقتصادية التي عانت منها البلاد، تراجع عمله بشكل كبير، ما أدى لتدهور حالته المادية، الأمر الذي اضطره لتقليص بعض رفاهيات العائلة والاكتفاء بالحد الأدنى من الأساسيات، ومن هنا بدأت المشاكل بينه وبين زوجته على حد تعبيره.

ويضيف: "كانت صدمتي كبيرة في توتر العلاقة بيني وبين زوجتي، التي تخيلت أن أساساتها أقوى من كل الظروف". ويؤكد أنه حاول جاهداً استرضاء زوجته ولمّ شمل العائلة التي تضم طفلين تحت سن العاشرة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، وانتهى الزواج بعد أكثر من سنة ونصف في المحاكم الشرعية، للتفاوض على حقوق الزوجة، التي أصرت على المطالبة بها كاملةً.

تغيرات في بنية المجتمع

للوقوف على حيثيات الأمر تواصلت صحيفة الثورة، مع المحامي عدنان حاج علي المتخصص في المحاكم الشرعية بحلب، والذي من خلال سنوات خبرته الطويلة التي تتجاوز الـ 20 سنة في هذا المجال، أكد أن السنوات العشر الماضية شهدت ازدياداً كبيراً في حالات الطلاق في المدينة، وأرجع ذلك لعدة أسباب:

يأتي على رأسها حالة التهجير والنزوح، التي عاشها المواطنون والتي كان لها دور كبير، في التأثير على الحالة النفسية والمادية للعديد من الأسر، الأمر الذي خلق جواً مليئاً بالمشاحنات والنزاعات بين الزوجين، والذي في أغلب الحالات وصل لقرار الانفصال النهائي.

ويتابع: "في عام 2019 تم تعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية، وفقاً للقانون رقم 4 الذي كان يهدف لتحسين وضع المرأة من جوانب عديدة، أهمها إعطاء الحق للزوجة بطلب تعديل المهر وفقاً للقوة الشرائية، وفرق أسعار الذهب، إلا أن القانون لم يحدد نسبة معينة، ما جعل الأمر يعود للقاضي وسلطته التقديرية، الذي بدوره يقوم بإرسال إحالة لجمعية الصاغة لمعرفة سعر الذهب وقت عقد القران، ومقاربته مع الوقت الحالي، وإحالة ذلك للبنك المركزي لمعرفة أسعار الصرف في ذلك الوقت، ثم يقارن القاضي مهر مثيلات الزوجة من الأقارب، وبعد كل تلك العملية يتم إقرار المهر الجديد.

هذا التعديل جعل القانون يخلق مشاكل كبرى بين الزوجين بدلاً من المساهمة في زيادة الاستقرار العائلي، لقد أصبح هو بحد ذاته أحد أهم المشاكل التي تفتح أبواب المحاكم على مصراعيها لتنتهي في أغلب الأحيان بالطلاق.

مواقع التواصل الاجتماعي

واعتبر حاج علي أن الانفتاح الذي يشهده العالم اليوم قد انعكس سلباً على خصوصية الأسر، إذ أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في انتشار تفاصيل الزوجين على الملأ، الأمر الذي أشعل نار الغيرة بين الزوجات، وفتح باب المقارنات بين الأزواج.

فاليوم رواد وسائل التواصل الاجتماعي يشاركون الجانب المشرق فقط من حياتهم، من دون التطرق للمشاكل والصعوبات التي تواجههم، فالمُتابِعة تَشعر أن زوجها هو الأسوأ على الإطلاق، وأنها وحدها من تعاني من مشاكل زوجية وروتين الحياة اليومية، فيبدأ شعور البرود يتملكها، وتتسع مع الأيام الفجوة بينها وبين زوجها.

كذلك الأمر بالنسبة للرجل الذي لا يرى سوى الصورة المثالية التي صورتها المواقع، والتي لا وجود لها على أرض الواقع، فمشاهد البيوت المرتبة على مدار الساعة، والأطفال بأبهى حلة والزوجة المبتسمة على الدوام، ساهمت في زيادة نفور الزوج من زوجته وبيته وأولاده، فيصاب البيت بحالة تسمى بالخرس الزوجي، غالباً ما ينتهي بالانفصال.

ويتابع: "سنة 2024 صدرت إحصائية كشفت تساوياً في حالات الزواج والطلاق، هذه الأرقام مرعبة وتنم عن فجوة كبيرة بين الأزواج وخلل كبير في المجتمع". مشيراً إلى أن حالات الانفصال – التي كان شاهداً عليها خلال سنوات عمله – تنوعت في الأعمار والمستوى الاجتماعي والثقافي، فلا يمكن القول اليوم: إن حالات الطلاق قد انحصرت في فئة معينة أو مستوى تعليمي أو عمري معين، وهذا مؤشر خطير يحتاج منا لوقفة حقيقية وخطوات عملية جادة للحفاظ على النسيج الاجتماعي على حد تعبيره.

دُور تأهيل للزواج

وبين حاج علي لـ "الثورة" أن الحل الأمثل للحد من ظاهرة الطلاق، يكمن في العمل على تأسيس أسرة سليمة قبيل الزواج، وذلك عبر إنشاء مراكز لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج، بحيث يخضع الزوجان لدورة تدريبية لمدة لا تقل عن شهر، تشمل دورات تأهيل نفسي ومحاضرات توعوية عن مرحلة الزواج وتربية الأطفال وما إلى ذلك، وتكون تلك الدورة إلزامية لإتمام عقد الزواج.

وتابع أنه وحسب القانون بعد اكتمال الخصومة في دعاوى التفريق يُجبر القاضي بإلزام الطرفين شهراً كاملاً أملاً للصلح، وبدلاً من تحول هذه المدة لإجراء روتيني لا أكثر ولا أقل، وفي حال كان هناك وجود لدور إعادة التأهيل، فتُحول القضية للدار للنظر فيها، ومحاولة الصلح بين الطرفين، وتقريب وجهات النظر، في محاولة لإنقاذ تلك الزيجة من نهاية حتمية، وفقاً لرأيه.

الجانب الاجتماعي

وعن الأسباب الاجتماعية التي تقف خلف هذه الظاهرة، تواصلت صحيفة الثورة مع الاختصاصية الاجتماعية نهى دالاتي، التي أكدت بدورها أن هناك العديد من حالات الطلاق مرتبطة بالحالة الاقتصادية للأسر، وخاصة التي تعاني من فقر شديد، الذي يخلق جواً مليئاً بالمشاحنات التي قد تفضي للطلاق.

وتتابع دالاتي أن بعض العادات الاجتماعية، المتمثلة بزواج القاصرات وزواج الأقارب على سبيل المثال، قد تشكل صعوبات وتحديات كبيرة للأزواج، وفي كثير من الأحيان تساهم في إنهاء مسيرة زواجهم بشكل كامل، مشيرةً إلى أن المعوقات الاجتماعية التي تفرض بعض القيود على المقبلين على الزواج، كالأعراف والتقاليد المتعلقة بالزواج من نفس المستوى الاجتماعي والمادي والثقافي، والتي تحول دون حرية الفرد في اختيار شريك حياته، تزيد أيضاً من احتمالية الطلاق في المستقبل.

وأضافت: "نحتاج لرفع مستوى وعي الفرد بذاته ومعرفة رغباته وأولوياته التي على أساسها يقوم باختيار شريك حياته".

وتتابع: إن توضيح السن القانوني للزواج للذكر والأنثى على حد سواء والالتزام به، يساهم في خلق قواعد وأسس سليمة لأسرة صالحة في المجتمع، منوهةً بأهمية رفع الوعي الذاتي للفرد عبر مكاتب أسرية، تُعنى بالشباب في مرحلة ما قبل الزواج، وذلك عبر تأهيلهم لتلك المرحلة المختلفة من حياتهم، وتدريبهم على تقبل اختلاف الطرف الآخر، والتعايش مع الفروقات الاجتماعية أو الثقافية، ومحاولة تقارب المستوى الفكري والاجتماعي بين الطرفين، الذي سيساهم كثيراً في تقليص حالات الطلاق وفقاً لرأيها.

الأسرة تبحث عن التوازن

إنّ ما نعيشه اليوم من تحوّلات اقتصادية واجتماعية متسارعة، ترك بصمته الواضحة على ملامح الأسرة السورية، التي كانت عبر عقود طويلة تمثل الخلية المتماسكة الأولى في بناء المجتمع.

فالأزمة الممتدة، وما رافقها من ضغوط معيشية ونفسية، غيّرت بنية العلاقات داخل البيت الواحد، وأفرزت مشهداً اجتماعياً جديداً تتقاطع فيه التحديات اليومية مع القيم المتوارثة، ليجد الأفراد أنفسهم أمام معادلة صعبة بين الرغبة في الاستقرار والعجز عن تحقيقه.

وقد أظهرت الحالات المتزايدة من الطلاق – حسب المحامي خليل صالحة- خلال السنوات الأخيرة، أن المسألة لم تعد محصورة في الأسباب المادية فحسب، بل تجاوزتها إلى عمق البنية الفكرية والنفسية للأزواج، وإلى ضعف الوعي الأسري، وغياب ثقافة الحوار والتفاهم، فحين تتراجع لغة التواصل بين الشريكين، وتتغلب النظرة المادية على روح الشراكة، يصبح الانفصال نتيجة منطقية لمقدمات تراكمت بصمت، حتى تحولت إلى قرار لا عودة عنه.

أخبار سوريا الوطن١-الثورة

مشاركة المقال: