الخميس, 6 نوفمبر 2025 12:22 PM

تحوّلات في نيويورك: هل تتراجع مكانة إسرائيل كـ"بقرة مقدسة" في أمريكا؟

تحوّلات في نيويورك: هل تتراجع مكانة إسرائيل كـ"بقرة مقدسة" في أمريكا؟

بقلم: يحيى دبوق

ليس كل فوز انتخابي على المستوى المحلي حدثاً استراتيجياً. لكن عندما تختار نيويورك، المدينة التي تحتضن أكبر تجمع يهودي خارج إسرائيل، عمدةً مسلماً يعلن دعمه الصريح لفلسطين وانتقاده لإسرائيل، فإن الحدث يتجاوز حدود الإدارة المحلية في مدينة أمريكية كبرى، ليصبح مرآة لتحولات عميقة سواء في الداخل الأمريكي نفسه أو في علاقة الولايات المتحدة مع حليفتها التقليدية، إسرائيل.

فوز زهران ممداني لم يعد مجرد انتصار لشخص أو لحزب، بل مؤشراً إلى أن إسرائيل لم تعد تلك "القضية المقدسة" التي توحد الأمريكيين بشكل عابر للانتماءات، بعدما أصبحت محل جدل داخل المجتمع الأمريكي نفسه، وبالتالي داخل أروقة السياسة الأمريكية. والأهم من النتيجة هو الأسباب التي أدت إليها، وعلى رأسها أن جيلاً جديداً، في قلب معقل يهودي تاريخي، بات يعتقد بوجوب تأمين العدالة للفلسطينيين في مواجهة إسرائيل، لأن ذلك يشكل، وفقاً لتعبيرات أمريكية "تقدمية"، جزءاً لا يتجزأ من "رؤية هذا الجيل الأخلاقية" للعالم.

تمثل مدينة نيويورك مركز المال والإعلام والثقافة، والأهم أنها قلب الجالية اليهودية الأمريكية. ولذلك، يمثل اختيار جزء لا يستهان به من سكانها، بمن فيهم يهود شبان، لمرشح يرفض شرعية الدولة اليهودية ويدعو إلى وقف الدعم لها، إشارة لا لبس فيها إلى أن الإجماع القديم حول إسرائيل قد تآكل. ولعل المفارقة المقلقة بالنسبة إلى الدولة العبرية هنا هي كون هذا التحول لم يأت من خارج المجتمع اليهودي نفسه، بل من داخله. فبحسب استطلاع للرأي أجراه معهد «بيو» (Pew Research Center) في آذار الماضي، وخلص إلى أن 53% من الأمريكيين يحملون نظرة سلبية تجاه إسرائيل – أعلى مستوى منذ بدء قياسات المعهد -، فإن نسبة الدعم لإسرائيل بين اليهود الأمريكيين تحت سن الـ 35 عاماً انخفضت إلى ما دون الـ 40%، بينما لا تزال أكثر من 70% في أوساط من تجاوزوا الـ 65 عاماً. كذلك، أظهر استطلاع لـ «غالوب» أن الدعم العام لإسرائيل بات في أدنى مستوياته منذ 25 عاماً، بعدما بلغ 46% فقط.

اللافت أيضاً أن الانقسام لم يعد حكراً على الديمقراطيين. ففي حين أن الجناح التقدمي في الحزب هو من يقود عملياً الخطاب النقدي الأشد حدة لتل أبيب وسياساتها، فإن اليمين الأمريكي، بقيادة الرئيس الحالي دونالد ترامب، يشهد بدوره تحولاً مختلفاً، إذ بينما يبدي ترامب دعمه الاستعراضي لإسرائيل، فإن جزءاً لا يستهان به من قاعدته المؤيدة لسياسة «أميركا أولاً»، يرى أن هذا الدعم بات يشكل عبئاً، فضلاً عن كونه لا يخدم المصلحة الوطنية المباشرة. أما الحلفاء التقليديون، كالمسيحيين الإنجيليين، فهم أيضاً في حالة انحسار ديموغرافي، إذ ووفق دراسة أعدها «معهد الأبحاث الدينية العامة» (PRRI)، تراجعت نسبة الأميركيين الإنجيليين من 23% في عام 2006 إلى 14% في عام 2020. أيضاً، فإن دعم الشباب منهم لإسرائيل يتراجع باطراد، بحسب ما تظهره استطلاعات متعددة، مقارنة بالأجيال السابقة.

أصبح موضوع العلاقات مع إسرائيل تدريجياً قضية داخلية أمريكية.

وتفسر هذه المعطيات القلق الذي عبر عنه السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، زلمان شوفال، وهو أحد أبرز مهندسي العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية في العقود الماضية، حين حذر، في مقالة رأي في صحيفة «معاريف»، من أن الانتخابات المحلية في أمريكا، وخاصة في نيويورك، ما هي إلا «انعكاس لتحولات عميقة في البنية السياسية الأمريكية»، ذلك أن المكانة الخاصة لإسرائيل في الولايات المتحدة لم تعد مضمونة، خصوصاً مع بروز جيل جديد ينظر إلى القضية الفلسطينية بشكل مختلف.

وعنونت صحيفة «معاريف» تغطيتها الإعلامية للانتخابات في نيويورك بعبارات من مثل: «بدءاً من نيويورك – هل يتحقق سيناريو الكابوس الإسرائيلي بالفعل؟»، مشيرةً، في تعليقها على فوز زهران ممداني، إلى أن «الانتخابات الليلة هي أيضاً إشارة موجهة إلى إسرائيل. على عكس انتخابات سابقة، أصبح موضوع العلاقات مع إسرائيل تدريجياً قضية داخلية أمريكية، فإذا كان الدعم قبل وقت قصير يعد شبه مسلم به، فإن هذا الموقف اليوم بات موضع نقاش عام حقيقي».

ويتقاطع هذا القلق مع تحذيرات شبه رسمية أشد وضوحاً. ففي ورقة سياسات صدرت، أمس، عن «مركز دراسات الأمن القومي» في تل أبيب، بعنوان: «اليوم الذي بعد ترامب: كيف يجب على إسرائيل أن تعد نفسها للزلزال القادم»، يوصي صراحة باستغلال نافذة الفرصة الحالية لترسيخ اتفاقات استراتيجية لا رجعة عنها، من قبيل شراكات تكنولوجية عميقة، واندماج في شبكات الدفاع والأمن الأميركية، ومفاوضات مباشرة مع دول المنطقة تحت مظلة واشنطن. ويرى المعهد أن على إسرائيل أن تسارع بلا إبطاء إلى استغلال اندفاعة ترامب وتعاطفه معها، للتقليل لاحقاً من تداعيات المتغيرات الداخلية في أمريكا، سواء عبر تحصيل المزيد من المكاسب أو تثبيت ما جرى الاستحصال عليه بالفعل.

ومما ورد في الورقة أنه «خلال عام 2026، ستجري في إسرائيل انتخابات عامة للكنيست. ومن جانبها، ستدخل أميركا في انتخابات نصفية، وفور انتهائها ستشرع في حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2028. يعني ذلك أن النافذة الزمنية ضيقة، ليست لدى الدولة العبرية ثلاث سنوات كاملة للاكتفاء بالإنجازات الحالية. المهلة الفعلية قصيرة جداً. يجب التصرف الآن. ينبغي دفع التعاون التكنولوجي قدماً، وتسريع إبرام مذكرة تفاهم جديدة مع الإدارة الأميركية الحالية، وفي الوقت نفسه بناء شبكة من الاتفاقات التي تثبت المكاسب العملية التي حققتها إسرائيل في الحرب ضد حماس وفي ساحات النزاع الأخرى. ويشكل وقف تدهور الحرب في قطاع غزة ومنع تحولها إلى حرب استنزاف تطوراً مهماً، لكن يجب السعي إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، والشروع في التطبيق الكامل لخطة ترامب، ذات العشرين نقطة».

أخبار سوريا الوطن١- الأخبار

مشاركة المقال: