الأحد, 9 نوفمبر 2025 06:49 PM

الذهب الصيني: هل يهدد ابتكار بكين احتياطيات الذهب في لبنان وسوريا؟

الذهب الصيني: هل يهدد ابتكار بكين احتياطيات الذهب في لبنان وسوريا؟

شبكة أخبار سوريا والعالم/ يتجه الاهتمام نحو "الذهب الصيني" باعتباره أحدث الابتكارات التكنولوجية التي قد تغير ديناميكيات سوق الذهب العالمي، خاصة وأن ابتكار بكين لنوع جديد من الذهب يأتي في وقت يشهد فيه العالم ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار الذهب، متجاوزًا حاجز الأربعة آلاف دولار للأونصة.

قبل إعلانها عن ابتكار "الذهب الصافي الصلب"، كانت الصين قد أثارت دهشة العالم بإنتاج كميات هائلة من الألماس الصناعي في مختبراتها. فالماسة التي تستغرق ملايين السنوات لتكوينها تحت طبقات الأرض، أصبح بالإمكان تصنيع قطعة مماثلة لها في النقاء واللمعان والتكوين الكيميائي في أيام قليلة فقط، حيث تنتج الصين أكثر من 20 مليون قطعة أسبوعيًا في معاملها المتطورة. وقد ساهم هذا الابتكار العلمي الحديث في انخفاض أسعار الألماس. فهل ستتراجع أسعار الذهب التقليدي بسبب "الذهب الصيني"؟ وكيف ستوظف الصين سلاح التفوق التكنولوجي في مواجهتها الكبرى مع الولايات المتحدة الأميركية؟ وما هو تأثير هذا الابتكار الذهبي على لبنان الذي يمتلك احتياطيًا كبيرًا من الذهب في مصرفه المركزي؟

ماهية الذهب الصيني الجديد

هذا النوع المبتكر من الذهب لا يستخرج من المناجم، بل يصنع داخل مختبرات متطورة. وهو عبارة عن ذهب عيار 24 قيراطًا (نقاء 99.9%) تم تعديل بنيته الذرية بإضافة كميات ضئيلة (0.1%-1%) من معادن نادرة مثل الإنديوم والزنك، مما يجمع بين نقاء الذهب الخالص (عيار 24) وصلابة الذهب المخلوط (عيار 18)، وهو ما يجعله أكثر متانة ومقاومة للخدش بأربعة أضعاف الذهب التقليدي، وفقًا لما ذكره الخبير في الاقتصاد والأسواق المالية الدكتور عماد عكوش في حديث لـ "لبنان 24". يساعد الابتكار الصيني الجديد على إنتاج مجوهرات ذات تصميمات معقدة وأخف وزنًا وأقل سعرًا بنسبة 10-20%، مما يسهل شراءها من قبل الطبقة المتوسطة.

التأثير على سعر الذهب التقليدي

يستبعد عكوش أن يتسبب الذهب الصيني الجديد في هبوط أسعار الذهب المستخرج من المناجم في المدى المنظور، وذلك لأسباب عدة، منها طبيعة المنتج كونه موجهًا أساسًا لسوق المجوهرات وليس للاستثمار أو الاحتياطي. "فهو ليس بديلاً عن الذهب التقليدي في البورصات العالمية أو في خزائن البنوك المركزية"، كما يشكل هذا النوع الجديد ما بين 20% إلى 25% من مبيعات المجوهرات الذهبية في الصين. وقد يؤدي انتشاره إلى جذب فئات جديدة من المستهلكين، خاصة الشباب الذين كانوا يعزفون عن شراء الذهب بسبب ارتفاع أسعاره أو عدم ملاءمته للاستخدام اليومي، مما قد يوسع السوق الإجمالي بدلاً من تقليص الطلب على الذهب التقليدي. بالتوازي، لا تزال القيمة الاستثمارية لهذا الذهب المبتكر موضع تساؤل، حيث يحتاج المنتج إلى كسب ثقة المستثمرين والمؤسسات العالمية والبورصات الرئيسية، ليعامل كبديل مساوٍ للذهب التقليدي، وهذا الأمر يستغرق وقتًا طويلاً".

لا مكان للذهب الصيني في المصارف المركزية

تواصل المصارف المركزية في العالم شراء الذهب التقليدي بكميات كبيرة، كجزء من استراتيجيتها لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي وتعزيز استقرار عملتها.

ووفقًا لعكوش، لن يؤثر الابتكار الصيني على اتجاه البنوك المركزية لحيازة الذهب، لأن المصارف المركزية تشتري الذهب كأصل آمن وتحوط ضد التضخم وتقلبات العملات، وليس لصناعة المجوهرات، والمعيار الأساسي لديها يكمن في النقاء والكثافة مثل السبائك القياسية، وليس الصلابة أو قابلية التشكيل كما هو حال الذهب الصيني. وفي السياق ذاته، أشار عكوش إلى مواصلة البنك المركزي الصيني نفسه زيادة احتياطاته من الذهب التقليدي، وقد وصلت إلى مستوى قياسي، على الرغم من هذا الابتكار، مما يؤكد أن هذا الابتكار يستهدف قطاع الصناعة والتجارة، بينما تبقى الاحتياطات الاستراتيجية قائمة على الذهب التقليدي.

الذهب الصيني والسوق اللبناني واحتياط مصرف لبنان

قبل أن يشكل الذهب الصيني تهديدًا حقيقيًا للذهب التقليدي في الأسواق العالمية، فهو يحتاج إلى بناء ثقة المستثمرين والمؤسسات وصناديق الاستثمار. وعلى الرغم من كلفته المتدنية قياسًا بالذهب التقليدي، لم يجد الذهب الصيني مكانًا له بعد لدى محال الصاغة المحلية، وقد تقتصر انعكاساته المحتملة على تجارة التجزئة للمجوهرات، وليس على الاحتياطات الاستراتيجية للدولة، وفقًا لعكوش، موضحًا أن الكثير من اللبنانيين يقبلون على ذهب عيار 18 قيراطًا، كونه أقل تكلفة ويتيح تشكيلات أكثر جمالاً. "من هنا قد يشكل الذهب الصيني الجديد خيارًا جذابًا لهم، كونه يجسد مظهر عيار 24 وبقوة عيار 18 وبأسعار قد تكون أكثر تنافسية. أما على مستوى الاحتياطيات، فمن غير المرجح أن يتأثر احتياطي الذهب في مصرف لبنان، حيث تظهر البيانات أن احتياطات الذهب في المركزي هي سبائك صافية، وتحتفظ بقيمتها المرتفعة كأصل استراتيجي، وقد بلغت قيمتها 38.6 مليار دولار تقريبًا. ولا تستخدم البنوك المركزية هذا النوع من الذهب المعالج تكنولوجيًا في احتياطاتها".

في المحصلة، لا يتوقع أن يهدد "الذهب الصيني" مكانة الذهب التقليدي في المدى القريب، إذ يبقى الأخير الأصل الأكثر أمانًا في عالم متقلب تسوده الأزمات النقدية والجيوسياسية. لكن الابتكار الصيني الجديد يعكس تحولًا استراتيجيًا في توظيف التكنولوجيا لخدمة الاقتصاد، ويكشف عن مسعى بكين لتوسيع نفوذها عبر أدوات علمية وصناعية، بدل الاكتفاء بالوسائل المالية التقليدية. ومع أن الأثر الفعلي سيظهر تدريجيًا في قطاع المجوهرات والاستهلاك، إلا أن "الذهب الصيني" يرمز إلى مرحلة جديدة من التنافس الاقتصادي العالمي، حيث باتت التكنولوجيا قادرة على إعادة تعريف القيمة، حتى في أكثر السلع ثباتًا ورسوخًا عبر التاريخ.

المصدر - لبنان 24

مشاركة المقال: