في خطوة تهدف إلى إحياء التراث الحضاري لسوريا وتعزيز التعاون الأكاديمي الدولي، استؤنفت أعمال التنقيب في موقع "أوغاريت" الأثري بمحافظة اللاذقية، شمال غربي سوريا، بعد توقف دام 14 عامًا بسبب الحرب. كانت أوغاريت، الواقعة على بعد حوالي 12 كيلومترًا شمال مدينة اللاذقية في منطقة "رأس شمرا"، من أهم المراكز التجارية في شرق المتوسط خلال العصور القديمة.
اشتهرت أوغاريت بأرشيفها الضخم الذي يضم ألواحًا طينية مكتوبة بسبع لغات، بما في ذلك الأكادية والآشورية والحثّية، وتعتبر هذه الألواح من أقدم الوثائق التي تسلط الضوء على الحياة الاجتماعية والسياسية في تلك الحقبة.
بعثة سورية إيطالية:
تتولى بعثة مشتركة من جامعة بافيا الإيطالية ومديرية الآثار السورية أعمال التنقيب، تحت إشراف الأكاديمي لورينزو دالفونسو، أستاذ علم الآثار وفن الشرق الأدنى القديم في جامعة بافيا، وبمشاركة طلاب دكتوراه من تركيا وإيطاليا. صرح دالفونسو للأناضول بأن الفريق بدأ عمله في تل سمحان الأثري قرب اللاذقية، ضمن طبقات تعود إلى العصر البرونزي. يقع تل سمحان بالقرب من موقع أوغاريت، وهو موقع مهم يعود للعصر البرونزي الذي شهد فترة ازدهار أوغاريت، مما يعكس الأهمية التاريخية والحضارية للموقع كمركز متواصل عبر آلاف السنين. كان الموقع مأهولًا منذ الألف الثاني قبل الميلاد، ومن المتوقع أن تسهم نتائج التنقيب في رسم تسلسل زمني دقيق لمراحل السكن فيه، وتوضيح أهميته بالنسبة لأوغاريت. وأوضح دالفونسو أن "المنطقة لم تشهد أي حفريات أثرية من قبل، ما يمنح المشروع أهمية علمية خاصة". وأضاف: "نحن نعمل بالتنسيق مع متحف اللاذقية، ومن المنتظر أن ينضم إلينا طلاب من جامعة دمشق قريبا". وعن أعمال التنقيب قال الأكاديمي: "نأمل أن نكشف عن عناصر رئيسية توضح أنماط الاستيطان البشري القديم في المنطقة".
دعم رسمي:
من جانبه، قال مدير دائرة الآثار في اللاذقية محمد الحسن، إن البعثة السورية الإيطالية بدأت عمليات التنقيب لعام 2025 في موقع أثري يضم مستوطنة صغيرة ترجع لحضارة أوغاريت، وتبعد نحو خمسة كيلومترات عن مركز المدينة. وأضاف الحسن: "التنقيبات التي توقفت في عهد النظام البائد (نظام المخلوع بشار الأسد)، استؤنفت هذا العام". وزاد: "نأمل أن تقدم الطبقات الأثرية المكتشفة معلومات جديدة حول مملكة أوغاريت ودورها في تاريخ المنطقة". وأكد أن الإدارة السورية الجديدة بما في ذلك القائمون على المديرية العامة للآثار "تأمل بعودة جميع البعثات الأثرية الأجنبية إلى سوريا، خصوصا في المناطق الساحلية، بعد توقف طويل". وأشار الحسن إلى أن السلطات المحلية توفر جميع التسهيلات الممكنة للفرق العاملة.
مشاركة تركية:
بدوره، قال طالب الدكتوراه التركي أداهان كوناي، أحد أعضاء الفريق، إنهم يعملون "بوتيرة مكثفة في أربعة مواقع متقاربة بهدف الكشف عمّا تحتويه المستوطنة البشرية الموجودة في التلة والتي ترجع للعصر البرونزي من معلومات". وأضاف: "في علم آثار الشرق الأدنى غالبا ما تتركز الدراسات على القصور والمعابد، أما في تل سمحان فنحن أمام فرصة نادرة للتنقيب في مستوطنة متكاملة تمثل الحياة اليومية في تلك الحقبة، وهو ما يمنح العمل قيمة استثنائية". وأشار كوناي إلى أن الفريق أجرى زيارة قصيرة لموقع أوغاريت التاريخي، لكنه يكرّس معظم جهده لحفريات تل سمحان، معربا عن أمله في المشاركة مستقبلا في مواقع أخرى داخل سوريا.
رمز حضاري يعاد اكتشافه:
تُعدّ مدينة أوغاريت من أبرز المراكز التاريخية في شرق المتوسط، وبلغت ذروة إزدهارها بين عامي 1450 و1195 قبل الميلاد، قبل أن تتعرض للدمار خلال غزوات "شعوب البحر" بين عامي 1196 و1179 قبل الميلاد. وتعكس الجهود الحالية، بحسب البعثة الأثرية، رغبة السلطات السورية في إحياء التراث الحضاري للبلاد وتعزيز التعاون الأكاديمي الدولي بعد سنوات من الانقطاع زمن النظام المخلوع. ومن المتوقع أن تساهم النتائج الجديدة في إعادة كتابة فصول مهمة من تاريخ أوغاريت والعلاقات التجارية والثقافية في شرق المتوسط القديم.
الأناضول