إيهاب مقبل
منذ بداية تدخلها في سوريا، أقامت الولايات المتحدة الأمريكية شبكة من القواعد والمواقع العسكرية داخل الأراضي السورية، وتحديدًا في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أو في المناطق الحدودية مع العراق والأردن. اضطلعت هذه المواقع بأدوار متعددة، منها محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومواجهة النفوذ الإيراني، وتأمين حقول النفط والغاز، والحفاظ على نفوذ أمريكي في منطقة الشرق الأوسط. وفي الآونة الأخيرة، بدأت واشنطن في إعادة تنظيم وجودها وتقليصه.
قاعدة التنف: حصن أمريكي على مفترق طرق الشرق الأوسط
الموقع: تقع في جنوب شرق سوريا، بالقرب من الحدود مع الأردن والعراق.
المهام: إنشاء "منطقة خفض توتر" حول القاعدة، وتدريب القوات المحلية، ومواجهة النفوذ الإيراني.
ملاحظات: تعتبر نقطة استراتيجية أمريكية حساسة للغاية، ورغم أنها تقع خارج مناطق "قسد" بشكل مباشر، إلا أنها تدخل ضمن شبكة النفوذ الأمريكي في سوريا، خاصة وأنها تتحكم في (طريق بغداد-دمشق)، مما يجعلها نقطة توتر مع الجماعات المسلحة العراقية.
قاعدة حقل العمر النفطي: السيطرة على ثروات سوريا النفطية
الموقع: تقع في ريف دير الزور، وهو أحد أكبر الحقول النفطية السورية.
المهام: مراقبة حقول النفط والغاز في شرق الفرات، والتي تعتبر مصدرًا اقتصاديًا هامًا، وتقديم الدعم اللوجستي والعسكري لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، حيث تتمركز فيها قوات أمريكية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
ملاحظات: في عام 2025، أشارت تقارير إلى أن القاعدة قد تم إخلاؤها أو انسحب منها جزء كبير من القوات.
الشدادي: قاعدة لوجستية أمريكية في قلب الحسكة
الموقع: تقع في محافظة الحسكة، جنوب مدينة الحسكة.
المهام: وجود أمريكي كبير لتأمين الحقول النفطية والغازية في المنطقة، وتعتبر قاعدة لوجستية وتحويل للقوات ضمن إعادة الانتشار الأمريكي.
ملاحظات: تعتبر ضمن القواعد المتبقية بعد سحب بعض القواعد الأخرى.
كاسرك: القاعدة متعددة الجنسيات ومستشفى الحرب الميداني
الموقع: تقع في محافظة الحسكة، ضمن شمال شرق سوريا.
المهام: قاعدة تضم قوات أمريكية وبريطانية وفرنسية، ويُشار إلى أن هناك مستشفى ميداني كبير قيد الإنشاء فيها.
ملاحظات: إحدى القواعد التي تم دمج المعدات والقوات إليها بعد الانسحاب من مواقع أخرى.
مواقع عسكرية أمريكية فرعية
تتواجد في سوريا أيضًا مواقع عسكرية أمريكية فرعية مثل موقع دعم على حقل كونكو للغاز في دير الزور، وموقع مطار أبو حجر بالقرب من رميلان في الحسكة وغيرها.
تحليل المهام الاستراتيجية لهذه القواعد
مكافحة داعش: كانت القواعد الركيزة الأمريكية لدعم قسد في المعارك ضد داعش، وتشكل "قائمة تشغيل" لمواقع التحالف ضد الجماعات الإسلامية غير الموالية لأمريكا.
النفط والغاز: تقع العديد من القواعد بالقرب من حقول الطاقة (مثل العمر، رميلان، الشدادي)، مما يربط التواجد الأمريكي بالحصول على ورقة نفوذ اقتصادي واستراتيجي في البلاد.
التحكم في الطرق والمنافذ الحدودية: تقع بعض المواقع مثل التنف على محاور استراتيجية (طريق بغداد-دمشق) وتشكل "حاجزًا" ضد النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة الموالية لإيران.
الردع والتواجد الدبلوماسي-العسكري: يمنح وجود هذه القواعد الولايات المتحدة الأمريكية خيار التأثير في أي تسوية لسوريا، وتعد ورقة ضغط على تركيا وإيران وروسيا.
إعادة تنظيم التواجد: اعتبارًا من عام 2025، بدأت واشنطن في إغلاق أو تقليص عدد القواعد (من حوالي 8 إلى 3 أو أقل) في إطار إعادة تقييم للمهمة والمخاطر.
التحديات والمستقبل
- تواجد الاحتلال الأمريكي في هذه القواعد لا يخلو من المخاطر: هجمات من جماعات مسلحة مدعومة من إيران، وتكلفة مالية وسياسية، وضغط من حلفاء أمريكيين (مثل تركيا) التي ترفض بعض الشراكات الأمريكية مع قسد.
- بموجب الاتفاقات الحديثة وإعادة ترتيب المشهد السوري، قد يتم دمج بعض هذه المواقع أو تسليمها إلى السلطات السورية المحلية أو قوات محلية، مما يقلل من "التواجد المباشر" الأمريكي.
- في المستقبل القريب، قد تركز الولايات المتحدة الأمريكية على عدد أقل من القواعد، مع تحول دورها إلى "دعم مستند" أكثر من "احتلال ميداني".
خاتمة
شبكة قواعد الاحتلال الأمريكي في سوريا ليست مجرد نقاط عسكرية، بل تمثل أداة نفوذ متعددة الأبعاد، تجمع بين القوة العسكرية والاقتصاد والسياسة، لتبقي واشنطن لاعبًا رئيسيًا في أي تسوية بسوريا. ومع أن عددها ومهامها قد تغيرت منذ ذروة التدخل، فإن قراءة هذه القواعد ومواقعها تعطي فهمًا واضحًا للسياسة الأمريكية في سوريا، وهي ليست مجرد "دعم لقسد فقط" بل "تحكم وتأثير وهيمنة على السيادة السورية".